فصل: حصار صلاح الدين الموصل وصلحه مع عز الدين صاحبها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء صلاح الدين على حلب وأعمالها.

ولما ارتحل صلاح الدين عن ماردين قصد آمد فحاصرها سنة تسع وسبعين وملكها وسلمها لنور الدين محمد بن قرا ارسلان كما كان العهد بينهما وقد أشرنا إليه ثم سار إلى الشام فحاصر تل خالد من أعمال حلب حتى استأمنوا إليه وملكها في محرم سنة تسع وسبعين وسار منها إلى عينتاب وبها ناصر الدين محمد أخو الشيخ إسماعيل خازن نور الدين محمود وصاحبه ولاه عليها نور الدين فلم يزل بها فاستأمن من إلى صلاح الدين على أن يقره على الحصن ويكون في خدمته فأقره وأطاعه ورحل صلاح الدين إلى حلب وبها عماد الدين زنكي بن مودود ونزل عليها بالميلان الاخضر اياما ثم انتقل إلى جبل جوشن أياما أخرى وأظهر أنه أبنى عليها وعجز عماد الدين عن عطاء الجند فراسل صلاح الدين أن يعوضه عنها سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج فأجاب إلى ذلك وأعطاه عنها تلك البلاد وملكها وكان في شرط صلاح الدين عليه أنه يبادر إلى الخدمة متى دعاه إليها وسار عماد الدين إلى بلاده تلك ودخل صلاح الدين حلب في آخر سنة تسع وسبعين ومات عليها أخوه الأصغر تاج الملوك بوري بضربة في ركبته تصدعت لها ومات بعد فتح حلب ثم ارتحل صلاح الدين إلى قلعة حارم وبها سرجك من موالي نور الدين ولاه عليها عماد الدين فلما سلم حلب لصلاح الدين امتنع سرجك في قلعة حارم فحاصره صلاح الدين وترددت الرسل بينهما وقد دس إلى الافرنج ودعاهم وخشي الجند الذين معه أن يسلمها إليهم فحبسوه واستأمنوا إلى صلاح الدين فملكها وولى عليها بعض خواصه وعلى تل خالد الأمير داروم الياروقي صاحب تل باشر وأقطع قلعة إعزاز الأمير سليمان بن جندر فعمرها بعد أن كان عماد الدين خربها وأقطع صلاح الدين أعمال حلب لامرائه وعساكره والله تعالى أعلم.

.نكبة مجاهد الدين قايمان.

كان مجاهد الدين قايمان قائما بدولة الموصل ومتحكما فيها كما قلناه وكان عز الدين محمود الملقب القندار صاحب الجيش وشرف الدين أحمد بن أبي الخير الذي كان صاحب العراق كان من أكابر الأمراء عند السلطان عز الدين مسعود صاحب الموصل وكانا يغريانه بمجاهد الدين ويكثران السعاية عنده فيه حتى اعتزم على نكبته ولم يقدر على ذلك في مجلسه لاستبداد مجاهد الدين وقوة شوكته فانقطع في بيته لعارض مرض وكان مجاهد الدين خصيا لا يحتجب منه النساء فدخل عليه يعوده فقبض عليه وركب إلى القلعة فاحتوى على أمواله وذخائره وولى بها لقندار نائبا وجعل ابن صاحب العراق أمير حاجبا وحكمهما في دولته وكان في يد مجاهد الدين اربل وأعمالها فيها زين الدين يوسف بن زين الدين علي كجك صبيا صغيرا تحت استبداده وبيده أيضا جزيرة ابن عمر لمعز الدين سنجر شاه بن يوسف الدين غازي وهو صبي تحت استبداده وبيده أيضا شهرزور وأعمالها ودقوقا وقلعة عقر الحميدية ونوابه في جميعها ولم يكن لعز الدين مسعود بعد استيلاء صلاح الدين على الجزيرة سوى الموصل وقلعتها لمجاهد الدين وهو الملك في الحقيقة فلما قبض عز الدين عليه امتنع صاحب اربل واستبد بنفسه وكان صاحب جزيرة ابن عمر وبعث بطاعته إلى صلاح الدين وبعث الخليفة الناصر شيخ الشيوخ وبشير الخادم بالصلح بين عز الدين وصلاح الدين على أن تكون الجزيرة واربل من أعماله وامتنع عز الدين وقال هما من أعمالي وطمع صلاح الدين في الموصل فتنكر عز الدين لزلقندار ولابن صاحب العراق لما حملاه عليه من الفساد لنكبة مجاهد الدين فبدأ أولا بعزل صاحب أذربيجان فقال له أنا أكفيكه وجهز له عسكرا نحو ثلاثة آلاف فارس وساروا نحو اربل فاكتسحوا البلد وخربوها وسار إليهم زين الدين يوسف باربل فوجدهم مفترقين في النهب فهزمهم وما كان معهم وعاد مظفرا ولحق العجم ببلادهم وعاد مجاهد الدين إلى الموصل والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق.

.حصار صلاح الدين الموصل وصلحه مع عز الدين صاحبها.

ثم سار صلاح الدين من دمشق في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين فلما انتهى إلى حران قبض على صاحبها مظفر الدين كوكبري لانه كان لذلك وعده بخمسين ألف دينار حتى إذا وصل لم يف له بها فقبض عليه لانحراف أهل الجزيرة عنه فأطلقه ورد عليه عمله بحران والرها وسار عن حران وجاء معه عساكر كيفا وداري وعساكر جزيرة ابن عمر مع صاحبها معز الدين سنجر شاه ابن أخي عز الدين صاحب الموصل وقد كان استبد بأمره وفارق طاعة عمه بعد نكبة مجاهد الدين كما قلناه فساروا مع صلاح الدين إلى الموصل ولما انتهوا إلى مدينة بله وفدت عليه أم عز الدين وابن عمه نور الدين محمود وجماعة من أعيان الدولة ظنا بانه لا يردهم وأشار عليه الفقيه عيسى وعلي بن أحمد المشطوب بردهم ورحل إلى الموصل فقاتلها وامتنعت عليه وندم على الوفد وجاءه كتاب القاضي الفاضل بالأئمة ثم قدم عليه زين الدين يوسف صاحب اربل فأنزله مع أخيه مظفر الدين كوكبري وغيره من الأمراء ثم بعث الأمير علي بن أحمد المشطوب إلى قلعة الجزيرة من بلاد الهكارية فاجتمع عليه الأكراد الهكارية وأقام يحاصرها وكاتب نائب القلعة زلقندار ونمي خبر مكاتبته إلى عز الدين فمنعه واطرحه من المشورة وعدل إلى مجاهد الدين قايمان وكان يقتدي برأيه فضبط الامور وأصلحها ثم بلغه في آخر ربيع من سنة اثنتين وثمانين وقد ضجر من حصار الموصل أن شاهرين صاحب خلاط توفي تاسع ربيع واستولى عليها مولاه بكتمر فرحل عن الموصل وملك ميا فارقين كما يأتي في أخبار دولته ولما فرغ منها عاد إلى الموصل ومر بنصيبين ونزل الموصل في رمضان سنة اثنتين وثمانين وترددت الرسل بينهما في الصلح على أن يسلم إليه عز الدين شهرزور وأعمالها وولاية الفرائلي وما وراء الزاب ويخطب له على منابرها وينقش اسمه على سكته ومرض صلاح الدين أثناء ذلك ووصل إلى حران ولحقته الرسل بالاجابة إلى الصلح وتحالفا عليه وبعث من يسلم البلاد وأقام ممرضا بحران وعنده العادل وناصر الدولة ابن عمه شيركوه وامنت بلاد الموصل ثم حدثت بعد ذلك فتنة بين التركمان والأكراد بالجزيرة والموصل وديار بكر وخلاط والشام وشهرزور وأذربيجان وقتل فيها ما لا يحصى من الأمم واتصلت أعواما وسببها أن عروسا من التركمان أهديت إلى زوجها ومروا بقلعة الزوزان والاكراد وطلبوا منهم الوليمة على الفتيان فأغلظوا في الرد فقتل صاحب القلعة الزوج وثار التركمان بجماعة من الأكراد فقتلوهم ثم أصلح مجاهد الدين بينهم وأفاض فيهم العطاء فعادوا إلى الوفاق وذهبت بينهم الفتنة والله تعالى أعلم.